فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في وحد:
الوَحْدَةُ: الانْفِرادُ.
والواحِدُ: أَوَّلُ العَدَدِ، والجمع: وُحْدان وأُحْدَان، ويُرْوَى بالوجهين بيت قُرَيْط بن أُنَيْف العَنْبَرِىّ:
قَوْمٌ إِذا الشَرُّ أَبْدَى ناجِذَيْه لهم ** طارُوا إِليه زُرافاتٍ ووُحْدانا

مثلُ شابٍّ وشُبَّان، ورَاع ورُعْيان.
قال الفرّاء: أَنتم حَىٌّ واحِدُون، يقال منه: وَحِدَ يَحِدُ ووُحُودَةً وَوَحْدًا ووُحْدَةً وحِدَةً.
وقوله تعالى: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أي بخصلة واحدة، وهى هذه: {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} وقيل: معناه أَعِظُكم بَوحْدَانيّة الله تعالى، أي بأَن تُوَحِّدوا الله.
وقولُه تعالى.
{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} ولم يَقُل كواحدة لأَنّ أَحدًا نَفْىٌ عامٌّ للمذكّر والمؤنَّث، والواحد والجمع.
ومن صفات الله تعالَى الواحِدُ الأَحَدُ.
قال الأَزهرىّ: الفرقُ بينهما أَنَّ الأَحدَ بُنِىَ لنَفْىٍ ما يُذْكَر معه من العَدَد؛ والواحد مُفْتَتَح العَدَد، تقول: ما أَتانى منهم أَحَدٌ وجاءنى منهم واحدٌ.
والواحِدُ بُنِى على انْقطاع النَّظِير وعَوَزِ المِثْلِ.
وقولهم: رأَيته وَحْدَه منصوبٌ عند أَهلِ الكوفة على الظَّرْف، وعند أَهل البصرة على المصدر في كلّ حال، كأَنك قلت أَوْحَدْتُه برؤيتى إيحادًا، أي لم أَرَ غيره، ثم وَضَعْت وَحْدَه موضع هذا.
وقال أَبو العباس: يحتمل وَجْهًا آخر وهو أَن يكون الرجلُ في نفسه منفردًا كأَنَّك قلتَ رأَيت رجلًا منفردًا ثمّ وضعت وحده موضعه.
وقال بعض البصريِّين هو منصوب على الحال.
قال ابن الأَعرابىّ: يقال جَلَس على وَحْدِه وَجَلَسَا على وَحْدِهما، وجَلَسَا على وَحْدَيْهما كما يقال جَلَس وَحْدَه وَجَلَسا وَحْدَهُما.
ورجلٌ وَحَدٌ، ووَحِدٌ، ووَحِيدٌ: مُنفرِدٌ.
والوَحْدانِيَّةُ: الفَرْدانِيَّة.
ووَحِدَ الرّجلُ- بالكسر- ووَحُد- بالضمّ-، أي بقى وَحْدَه.
وأَوْحَدْتُه برؤيتى، أي لم أَر غَيرَه.
وقال أَبو القاسم الرّاغب: الواحِد في الحقيقة هو الشىء الذي لا جُزْءَ له البتَّة، ثمَّ يُطْلق على كلِّ موجودٍ، حتَّى إِنَّه ما من عَدَد إِلاَّ ويَصحُّ وصفُه به، فيقال: عشرةٌ واحدةٌ، ومائةٌ واحدةٌ.
فالواحد لفظ مُشْتَركٌ يُستعمل على سِتَّة أَوجه:
الأَوّل: ما كان واحدًا في الجِنْس أَو في النَّوْع كقولنا: الإِنسان والفَرَسُ واحدٌ في الجنس، وزَيْدٌ وعَمْرٌو واحدٌ في النَّوْع.
الثَّانى: ما كان واحدًا بالاتَّصال إِمّا من حَيْثُ الخِلْقَةُ، كقولك: شخصٌ واحدٌ، وإِمّا من حيثُ الصّناعةُ كقولك: حرفةٌ واحدةٌ.
الثالث: ما كان واحدًا لِعَدَم نَظيره، إِمّا في الخلْقَة كقولك: الشمسُ واحدة، وإِمّا في دَعْوَى الفضيلة، كقولك: فلانٌ واحِدُ دَهْرِه، وكَقُولِك نَسِيجُ وَحْدِه.
الرابعُ: ما كان واحدًا لامْتِناع التَجَزِّى فيه إِمّا لصِغَره كالهَباء، وإِمّا لصَلابَته كالأَلْماس.
الخامس: للمبدإِ، إِمَّا لمَبْدَإِ العَدَد كقولك واحدٌ اثْنان، وإِمَّا لمبدإِ الخَطّ كقولك: النُقطة الواحدةُ، والوَحْدَة في كُلِّها عارِضَةٌ.
وإِذا وُصِف الله عزَّ وجلّ بالواحِد فمعناهُ هو الذي لا يصحّ عليه التَجَزِّى ولا التَكَثُّر، ولصُعُوبة هذه الوَحْدَة قال الله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ} الآية.
والتَّوحيد الحقيقىّ الذي هو سببُ النَّجاة ومادَّة السّعادة في الدّار الآخرة ما بيَّنه الله تعالى وهَدانا في كتابه العزيز بقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ لاَ اله إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} والقوم دائرون في تفسيره بين حَكَمَ وقَضَى، وأَخْبَر وأَعْلَم، وبَيَّن وعَرَفَ.
والتَّوْحِيدُ تَوْحِيدان: تَوْحِيد الرُّبوبيّة، وتَوْحيد الإِلهِيّةِ، فصاحبُ توحيدِ الرُّبوبيّة يشهد قَيُّومِيَّة الربّ فوقَ عَرْشه يدبِّر أَمَر عِباده وَحْدَه، فلا خالِقَ ولا رازق، ولا مُعْطِىَ ولا مانعَ ولا مُميت ولا مُحْيِىَ ولا مُدَبِّر لأَمرِ المملكة ظاهرًا وباطنًا غيرُهُ، فام شاء كان، وما لم يشأْ لم يكن، ولا تتحرّك ذَرّةٌ إِلاَّ بإِذنه، ولا يجرِى حادثٌ إِلاَّ بمشيئته، ولا تسقُط ورقةٌ إِلاَّ بِعلْمه، ولا يَعْزُب عنه مِثْقَالُ ذَرَّة في السَّمَاوات ولا في الأَرْض ولا أَصْغَرُ من ذلك ولا أَكبَر إِلاَّ وقد أَحصاها عِلْمُه وأَحاطَتْ بها قُدْرَتُه، ونَفَذت فيها مشيئتُه، واقتضتها حِكْمَتُه.
وأَمَّا توحيدُ الإِلهية فهو أَن يجمع هَمَّهُ وقلبَهُ وعَزْمَه وإِرادتَه وحركاتِه على أَداء حقٍّه والقيام بعُبودِيَّتِه، وأَنشد صاحبُ المنازل أَبياتًا ثلاثة ختم بها كتابه ولا أَدرِى هل هي له أَو لغيره:
ما وَحَّدَ الواحِدَ مِنْ واحِدِ ** إِذ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جاحدُ

تَوْحيدُ من ينطق عن نعته ** عارِيَّةٌ أَبْطَلَها الواحِدُ

تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُه ** ونَعْتُ من يَنْعَتُه لاحِدُ

وظاهر معناه أَنَّ ما وحَّد الله عزَّ وجلَّ أَحدٌ سواهُ، وكلّ من أَحَّدَه فهو جاحِدٌ لحقيقة تَوْحِيده، فإِنَّ توحيدَه يتضمّن شُهودَ ذاتِ المُوَحّد وفِعْله، وما قام به من التوحيد وشُهودِ ذات الواحِد وانفرادِه، وتلك بخلاف تَوْحيده لنَفْسه، فإِنَّه يكون هو الموحِّد والموحَّد، والتَّوحيد صِفَتُه وكلامُه القائم، فما ثَمّ غيره فلا اثنينيّة ولا تعدّد.
وأَيضًا فمَنْ وَحَّده من خَلْقه فلابد أَنْ يصفَه بصفة، وذلك يتضمّن جَحْدَ حَقِّه الذي هو عدم انصحارِه تحت الأَوصاف، فمَنْ وصفَ فقد جَحد إِطلاقَه من قُيود الصّفات.
وقوله:
توحيد مَنْ ينطق عن نَعْته ** عاريّة أَبطلها الواحدُ

يعنى توحيد الناطقين عنه عاريّة مردودة، كما تُستردُّ العَوارِى، إِشارة إِلى أَنَّ توحيدهم ليس مِلْكًا لهم، بل الحقُّ أَعارهم إِيّاه كما يُعِير المعيرُ متاعَه لغيره ينتفع به.
وقوله: أَبطلها الواحد، أي الواحد المطلق من كلّ الوجُوه وَحْدَتُه يُبطل هذه العارة.
وقوله: تَوْحِيدُه إِيّاه تَوْحِيدُه.
يعنى توحيدُه الحقيقىّ هو تَوْحيدٌ لنَفْسه بَنفْسه من غير أَثَرٍ للسِّوَى بوجه، بل لا سِوَى هناك.
وقوله:
ونَعْتُ مَنْ يَنْعَتُه لاحِدُ

أَى نعتُ الناعِت له إِلْحاد، أي عدولٌ عمّا يستحقُّه من كَمال التوحيد، فإِنَّه أَسند إِلى نزاهة الحَقِّ ما لا يَليق إِسناده.
وحاصل كلامه، وأَحسن ما يحمل عليه: أَنَّ الفَناء في شُهود الأَزليّة والحُكم يَمْحُو شُهودَ العبدِ لنفسه وصفاته فضلًا عن شهود غيره، فلا يشهدُ موجودًا فاعلًا على الحقيقة إِلاَّ الله وحده، وفي هذا الشهود تفنى الرّسوم كلُّها، فيمحق هذا الشهودُ من القلب كلَّ ما سوى الحقِّ، إِلاَّ أَنَّه يمحقه من الوجود، وحينئذ يشهد أَنَّ التوحيدَ الحقيقىّ غيرَ المستعارِ وتوحيد الربّ تعالى نفسه، وتوحيد غيره له عاريّة محضة أَعاره إِياها مالك الملوك، والعوارِىُّ مردودة إِلى من تُرَدّ إِليه الأُمور كلَّها، {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ}.
قال العارفُ عبد الله بن المعمار:
السِرُّ أَنْ تُنْظُرَ الأَشياء أَجْمَعُها ** ويُعْرِفَ الواحدُ النَّاشِى به العَددُ

فذاكَ تَوْحِيدُه في واحِدِيَّته ** وفَوْقَ ذاكَ مقامٌ إِسْمُه الأَحَدُ

. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}.
يقول: إذا سوَّلَتْ لكم أنفسُكم تكذيبَ الرسولِ فأنعموا النظرَ... هل تَرَوْنَ فيه آثار ما رميتوه به؟ هذا محمد صلى الله عليه وسلم. قُلْتُم إنه ساحر- فأين آثار السحر على أحوله وأفعاله وأقواله؟ قلتم إنه شاعر- فمن أي قسم من أقسام الشعر كلامه؟ قلتم إنه مجنون- فأيّ جنونٍ ظهر منه؟ وإذ قد عجزتم عن ذلك فهلاَّ عرفتم أنه صادق؟!.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)}.
{يقذف بالحقِّ} على باطل أهل الغفلة فتزول حِيَلُهم، ويظهر عَجْزُهم. ويقذف بالحقِّ على أحوال أهل الخِلاف فيضمحل اجتراؤهم، ويحيق بهم شؤمُ معاصيهم.
ويقذف بالحقِّ- إذا حضر أصحاب المعاني- على ظُلُماتِ أصحاب الدعاوى فيخمد ثائرتَهم، ويفضحهم في الحال، ويْفضح عوارُهم.
{قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)}.
الباطلُ على مَمَرِّ الأيام لا يزيد إلا زهوقًا، والحقُّ على مَمَرِّ الأيام لا يزداد إلا قوةً وظهورًا. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ} الآية.
هذه الآية الكريمة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يسأل أمته أجرا على تبليغ ما جاءهم به من خير الدنيا والآخرة.
ونظيرها قوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}.
وقوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} في سورة الطور والقلم.
وقوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} وقوله: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}.
وعدم طلب الأجرة على التبليغ هو شأن الرسل كلِّهم عليهم صلوات الله وسلامه كما قال تعالى: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} وقال تعالى في سورة الشعراء: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} في قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام وقال في سورة هود عن نوح: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية.
وقال فيها أيضا عن هود: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} الآية.
وقد جاء في آية أخرى ما يوهم خلاف ذلك وهي قوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
اعلم أولا أن في قوله تعالى: {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أربعة أقوال.
الأول: ورواه الشعبي وغيره عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة وعكرمة وأبو مالك والسدي والضحاك وابن زيد وغيرهم كما نقله عنهم ابن جرير وغيره أن معنى الآية {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أي إلا أن تودوني في قرابتي التي بيني وبينكم فتكفوا عني أذاكم وتمنعوني من أذي الناس كما تمنعون كل من بينكم وبينه مثل قرابتي منكم.
وكان صلى الله عليه وسلم له في كل بطن من قريش رحم فهذا الذي سألهم ليس بأجر على التبليغ لأنه مبذول لكل أحد لأن كل أحد يوده أهل قرابته وينتصرون له من أذى الناس وقد فعل له ذلك أبو طالب ولم يكن أجرا على التبليغ لأنه لم يؤمن وإذا كان لا يسأل أجرا إلا هذا الذي ليس بأجر تحقق أنه لا يسأل أجرا كقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب

ومثل هذا يسميه البلاغيون تأكيد المدح بما يشبه الذم وهذا القول هو الصحيح في الآية واختاره ابن جرير وعليه فلا إشكال.
الثاني: أن معنى الآية {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أي لا تؤذوا قرابتي وعترتي واحفظوني فيهم ويروى هذا القول عن سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وعلي بن الحسن وعليه فلا إشكال أيضا لأن المودة بين المسلمين واجبة فيما بينهم وأحرى قرابة النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} وفي الحديث: «مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم كالجسد الواحد إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
والأحاديث في مثل هذا كثيرة جدا.
وإذا كان نفس الدين يوجب هذا بين المسلمين تبين أنه غير عوض عن التبليغ وقال بعض العلماء: الاستثناء منقطع على كلا القولين، وعليه فلا إشكال.
فمعناه على القول الأول لا أسألكم عليه أجرا لكن أذكركم قرابتي فيكم وعلى الثاني لكن أذكركم الله في قرابتي فاحفظوني فيهم.
الثالث: وبه قال الحسن: {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أي ألا تتوددوا إلى الله وتتقربوا إليه إلا بالطاعة والعمل الصالح وعليه فلا إشكال لأن التقرب إلى الله ليس أجر على التبليغ.
الرابع: {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أي ألا تتوددوا إلى قراباتكم وتصلوا أرحامكم.
ذكر ابن جرير هذا القول عن عبد الله بن القاسم وعليه فلا إشكال لأن صلة الإنسان رحمه ليست أجرا على التبليغ فقد علمت الصحيح في تفسير الآية وظهر لك رفع الإشكال على جميع الأقوال.
وأما القول بأن قوله تعالى: {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} منسوخ بقوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} فهو ضعيف والعلم عند الله تعالى. اهـ.